دعك منهم..

الحلقة الثانية:
عاد الجميع إلى البيت بعد الدفن، وعادت راضية إلى أمها، وكان البيت لا يزال مليء بالناس، لم تنسى راضية ذلك المشهد التي رأته في المقبرة..
وبعد أسبوع واحد من وفاة والد راضية، اندلعت الحرب بين طرفي الشمال والجنوب في البلاد وكان ذلك في عام 1994م
قرر أقرباء راضية أن تسافر راضية وأمها واخوانها معهم إلى القرية، لحين معرفة ما تؤل إليه الأوضاع..
سافر الجميع.. كانت حشود كثيرة من المدينة قد قررت السفر، تتذكر راضية تلك الأصوات لإطلاق النار والصواريخ،
وذلك المشهد للسيارات المزدحمة وهي تنقل العائلات إلى خارج العاصمة،
بيت عم راضية لم يسافروا، بالإضافة إلى عدد قليل من أهل الحي فضلوا عدم السفر، أو أن هم لم يستطيعوا ذلك..
وصلت راضية مع أسرتها إلى القرية...
كانت قرية راضية جميلة جداً وهواءها نقي، منطقة جبلية مليئة بالأشجار،
كانت المساكن تبنى لأكثر من دور بسيطة ومتلاصقة، ولكنها دافئة..
أهل القرية كأنهم أسرة واحدة، يستيقظون مع شروق الشمس وزقزقة العصافير، تصنع النساء الخبز الدافئ ورائحة البن المنعشة تملئ المكان، ثم يحلبن البقر ويصنعن من الحليب والسمن مع الخبز فتة لذيذة ( وجبة يعرفها أهل الريف )
كن نساء القرية يذهبن في الصباح الباكر إلى الحقول ويأخذن معهن بعض الطعام لأزواجهن واخوانهن ويساعدنهم في بعض أعمال الزراعة..
وكانت راضية تذهب مع الخالة خديجة وبعض فتيات القرية إلى تلك الحقول المرتفعة وتستمتع بتلك المناظر الخلابة وتساعدهن بأعمالهن البسيطة..
بقيت راضية مع عائلتها هناك لفترة من الزمن،..
وبعد انتهاء الحرب عاد الناس إلى بيوتهم.. وعادت عائلة راضية إلى البيت،
وحين دخولهم بيتهم تذكرت والدة راضية كل ما حدث، تذكرت زوجها وهو ممدد في تلك الغرفة وهي تحاول حمله.. تذكرت حين حملوه معها إلى المشفى ..وحين توفي وهو واضع رأسه في حجرها وهم على السيارة، لم تكن تعلم بأنه قد مات، أو لم تكن تتوقع ذلك..
تذكرت كل ذكرياتهم، لم تكن تبكي أو تصرخ كانت مازالت في حالة صدمة...
عاشت أم راضية مع أبناءها محاولة تدبير أمور حياتهم، وكانت راضية تحاول مساعدة والدتها في الاعتناء باخوانها واعمال البيت..
وبعد مدة من الزمن قرر رجال العائلة، أن يقوموا بتقسيم راضية واخوانها بحيث تذهب راضية للعيش مع عمها الكبير، وأحمد وسلمى مع عمهم الأوسط في المدينة، ويبقى سامح وسهى مع أمهم لصغر سنهم ولكنهم سيعيشون في القرية مع والدتهم، لتكون قريبة من أقاربها..
هكذا فكروا وقرروا ونفذوا.. كانت أم راضية رافضة لهذا القرار فهي لا تريد الابتعاد عن أبنائها.. ولكنها رضخت للأمر رغما عنها..
وجاء ذلك اليوم الذي لم تستطع راضية نسيانه،
كانت تلعب كعادتها مع اخوانها وأطفال الحي يتلاحقون ويضحكون، وفجأة
رأت بالقرب من باب منزلهم سيارة نقل أتى بها عمها وخالها وكانوا يقومون بنقل الأثاث والعفش، جرت راضية إليهم وصرخت ماذا تفعلوا توقفوا، ولكن لا أحد يسمعها، ولكنها تذكر حين قام عمها الأوسط بصفعها، كانت أمها بالداخل أرادت راضية أن تدخل لتراها، لكنها لم تستطع قام أحدهم بحملها وأخذها لبيت عمها الأكبر وكان البيت قريب منهم، وحين وصوله أدخلها وأغلق الباب، وطلب من ابنة عمها أن تهتم بها.. كانت راضية تدق الباب بكل ما أوتيت من قوة... برغم محاولة من في البيت تهدئتها..
اتركوووني... افتحوا الباب .. أمي أريد أمي.. وهي تبكي وتصرخ افتحوا الباب افتحوا الباب...
وبعد بضع من الوقت... فتح الباب وخرجت راضية تجري وتهرول إلى بيتهم.. وحين وصولها كان الباب مقفل ولم يعد هناك أحد.. ذهبت للطريق لتبحث عنهم.. كانت تبكي كما لم تبكي من قبل، كانت تشعر وكأن الظلام يحيط بها، أحست بالضياع وبالوحدة.. جلست في الطريق تبكي.. بكت وبكت.. حتى جف دمعها.. جاء ابن عمها يبحث عنها.. أخذ بيدها وعاد بها إلى البيت..
هيا يا راضية اقتربي.. أنا عمك ومثل أبيك سأعتني بك.. أمك واخوانك بخير لا تقلقي عليهم.. تعالي الآن وتناولي طعام الغداء.. نظرت إليه راضيه والحزن يرتسم عليها.. ثم اقتربت وجلست بالقرب منه.. قبلها عمها ومسح على رأسها.. أحست بالقليل من الاطمئنان..
عاشت راضية في بيت عمها، مع أبناء عمها وبناته، كانت تلعب معهم وتأكل وتجلس معهم، وكانت تنام مع ابنة عمها الكبيرة في غرفتها،
وجاءت الدراسة، قامت عمة راضية (زوجة عمها) بتسجيلها في المدرسة كانت في الصف الثاني، وكانت راضية تحب الدراسة وذكية في فصلها..
لم تكن تعرف راضية أخبار أمها واخوانها..
اعتادت العيش في بيت عمها، كان الأمر أكبر منها ولا تدري كيف يفكر الكبار وأي قلوب يحملون..
كان أحمد وسلمى في بيت عمها الأوسط، وكانوا في نفس المدينة ولكنهم نااادرا ما يلتقون، لبعدهم ولانشغال أعمامها بأعمالهم..
أم راضية كانت مع سامح وسهى في القرية، هي أيضا لا تعلم أخبار أبناءها إلا مما يصلها من الناس الذين يذهبون إلى المدينة ثم يعودون..
قررت أم راضية العودة إلى المدينة وأخذ أبناءها ليعيشوا سويا، وساعدها في ذلك بعض أقاربها...
وفي يوم وحين كانت راضية عائدة من المدرسة..
راضية.. راضية.. تجري ابنة عم راضية وهي تستقبل راضية في الطريق..
ماذا هناك يا هند.. تجيب راضية
أمك لقد جاءت أمك وهي عندنا في البيت..
وفي لحضة استوعبت راضية كلام ابنة عمها..
ماذا تقولين..؟؟!!
أمي .. أمي.. جرت راضية وهي تشعر بفرحة كبيرة مختلطة بالدموع... وصلت راضية للبيت وحين رأت أمها ألقت حقيبتها المدرسية وركضت نحو أمها وألقت بنفسها في أحضانها وهي تبكي..
لا باس.. لا بأس.. قالت والدة راضية وهي تمسح على رأسها..
تابعونا في الحلقة القادمة.. والأحداث الأكثر تشويقا..
تعليقات
إرسال تعليق